مقالة حول اقتراح بتأخير صلاة عيد الفطر عن وقتها الحالي بربع ساعة (مثلاً)
بقلم : محمد أحمد العباد
باسم الله ، والصلاة والسلام على
رسول الله ، وعلى آله وصحبه ، أما بعد :
فقد أخرج البخاري (1503) ومسلم
(986) من حديث ابن عمر t قال : (( أمر r أن تؤدّى – يعني زكاة الفطر - قبل خروج الناس إلى الصلاة )) ، وهو
حديثٌ يبين أن أفضل وقت تخرج فيه زكاة الفطر هو صباح يوم العيد قبل الصلاة ، ومن
يتأمل واقع الناس في يوم العيد – أعني عيد الفطر - يجدهم محتاجين إلى امتداد الوقت
ليتسع وقت إخراج زكاة الفطر .
وقد ورد في هذه المسألة أحاديث وآثار من أشهرها :
1 – الحديث المروي عن عطاء عن ابن
عباس - رضي الله عنهما - مرفوعاً بلفظ : ((كانوا لا يخرجون حتى يمتد الضَّحاء ، فيقولون: نطعم لئلا نعجل عن صلاتنا
)).[1] وعن ابن جريج قال : (( قلت لعطاء : متى كان من مضى يخرج أحدهم من بيته يوم
الفطر للصلاة ؟ فقال: (( كانوا يخرجون حتى يمتد الضحى فيصلون، ثم يخطبون قليلا
سويعة )).[2]
2 ـ ما روي عن النبي r : (( أنه كان يصلي صلاة عيد الأضحى إذا ارتفعت
الشمس قيد رمح، وصلاة الفطر إذا ارتفعت قيد رمحين )) .[3]
3 ـ ما روي أن النبي r كتب إلى عمرو بن حزم t : (( أن عَجِّل الأضحى، وأخِّر الفطر ، وذَكِّر الناس
في الخطبة )) .[4]
وقال الحافظ ابن حجر : (( وهو وإن كان ضعيفاً ، إلا أنه يُعمل به في مثل
ذلك اتفاقاً)).[5]
، وقال الشوكاني في الدراري المضية (ص175) :
(( وقد وقع الإجماع على ما أفادته الأحاديث ، وإن كانت لا تقوم بمثلها الحجة )) . اهـ
وأما أقوال الفقهاء –
رحمهم الله - فهي كثيرة ومتظافرة على تأكيد هذا
القول ، بل قال ابن قدامة في المغني (3/ 267) : (( ويسن تقديم الأضحى ؛ ليتسع وقت
التضحية ، وتأخير الفطر ؛ ليتسع وقت إخراج صدقة الفطر وهذا مذهب الشافعي ، ولا
أعلم فيه خلافاً )) ، وقال ابن عبد البر في
"الكافي" (1/246) : (( ويستحبون
أن تكون الصلاة يوم النحر أعجل منها يوم الفطر )) . اهـ ، وفي "الاستذكار" (7/ 60) نقل ابن عبد البر
عباراتٍ للإمام الشافعي ورد في آخرها قوله : (( ويؤخر الفطر ويعجل الأضحى ،
ومَن صلى قبل طلوع الشمس أعاد )) فعقَّب ابن عبد البر قائلاً : (( وهذا كُلُّهُ مروي معناه عن مالك
،
وهو قول سائر العلماء )) . اهـ
وقال ابن نجيم الحنفي في
"البحر الرائق" (2 / 173) : (( ويستحب تعجيل صلاة الأضحى لتعجيل الأضاحي،
وفي المجتبى ويستحب أن يكون خروجه بعد ارتفاع قدر رمح حتى لا يحتاج إلى انتظار القوم،
وفي عيد الفطر يؤخر الخروج قليلاً .. ، قيل : ليؤدي الفطرة ويعجل الأضحية )) . اهـ
وقال الحافظ بدر الدين العيني في
"البناية شرح الهداية" (3/ 97) : (( ويستحب تأخير صلاة العيد في الفطر، وتعجيلها في النحر لتعجيل
الأضاحي )) . اهـ
وفي "حاشية الطحطاوي على
مراقي الفلاح" (ص 532) : (( ويستحب تعجيل الإمام الصلاة في أول وقتها في الأضحى
وتأخيرها قليلا عن أول وقتها في الفطر ، بذلك كتب رسول الله r إلى عمرو بن
حزم t وهو بنجران عجل الأضحى وأخِّر الفطر ، قيل : ليؤدي الفطر ويعجل إلى التضحية
)) . اهـ
وقد تقدم - في الصفحة السابقة – ما
نقله الملا علي القاري الحنفي عن الحافظ ابن حجر في حديث عمرو بن حزم t : (( أنه وإن
كان ضعيفاً إلا أنه يُعمل به في مثل ذلك اتفاقاً )) ، وكذا قول الشوكاني في
"الدراري المضية" (ص 175) : (( وقد
وقع الإجماع على ما أفادته الأحاديث ، وإن كانت لا تقوم بمثلها الحجة )) .
وجاء في "الموسوعة
الفقهية الكويتية" (27/ 244) : (( يستحب عدم تأخيرها – أي : الصلاة - عن هذا الوقت بالنسبة
لعيد الأضحى، وذلك كي يفرغ المسلمون بعدها لذبح أضاحيهم، ويستحب تأخيرها قليلا عن هذا
الوقت بالنسبة لعيد الفطر، وذلك انتظارا لمن انشغل في صبحه بإخراج زكاة الفطر . وهذا
محل اتفاق عند سائر الأئمة )) . اهـ
لذا فالملتمَس من الجهات المختصة
الأخذ بهذا القول الوجيه ، الذي يؤكده الحديث والأثر ، ويعضده صحيح النظر ، ونص
عليه جمعٌ من أهل العلم ، مراعاةً لحال الناس وتوسعةً عليهم ، والله أعلى وأعلم .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين ، والحمد لله رب العالمين .
[1] أخرجه الإمام أحمد في "المسند (5/
75) ، وقد صحح إسنادَه على شرطِ الشيخين الشيخُ الألبانيُّ في "السلسلة
الصحيحة" (7/ 83) ومحققو "المسند" ، واستدل الحافظ ابن رجب الحنبلي
في "فتح الباري" (8/ 461) به لمذهب أحمد قائلاً : (( أنه بتأخير صلاة عيد
الفطر يتسع وقت إخراج الفطرة المستحب إخراجها فيه، وبتعجيل صلاة الأضحى يتسع وقت التضحية،
ولا يشق على الناس أن يمسكوا عن الأكل حتَّى يأكلوا من ضحاياهم ، وقد تقدم في حديث
ابن عباس – رضي الله عنهما - المخرَّج في "المسند" : (( وكانوا لا يخرجون
حتى يمتد الضحى، فيقولون: نطعم حتى لا نعجل عن صلاتنا )) ، وأظنه من قول عطاء )) .
اهـ
[2] أخرجه عبد الرزاق
في "المصنف" (3/ 285)
[3] أخرجه الحسن بن أحمد البناء في كتاب الأضاحي - كما في "التلخيص
الحبير" (2/ 196) من طريق وكيع عن المعلى بن هلال عن الأسود بن قيس عن جندب t مرفوعاً كما في " التلخيص الحبير"
(144) لكن المعلى بن هلال اتفق النقاد على تكذيبه كما قال الحافظ فى " التقريب
".
[4] أخرجه
عبدالرزاق في "المصنف" (3/286) ، والشافعي في "مسنده" ص (74) ومن
طريقه البيهقي "3/282" وقال : ((هذا مرسل، وقد طلبته في سائر الروايات بكتابه
إلى عمرو بن حزم فلم أجده )) . قلتُ : إبراهيم بن محمد - وهو ابن أبي يحيى الأسلمي-
متروك ، وأبو الحويرث وهو عبد الرحمن بن معاوية
بن الحويرث الزرقي المدني وهو سيء الحفظ ، كما في "التقريب" .
[5] نقله الملا علي القاري
في "مرقاة المفاتيح في شرح مشكاة المصابيح" (3/ 1074) .