الثلاثاء، 21 يوليو 2015


الجمل الندية من ألقاب المسائل الفقهية (9)
بقلم : محمد أحمد العباد



بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد : فهذه المقالة التاسعة ضمن سلسلة مقالات تدور حول بعض المسائل المنصوصة في كتب الفقهاء بألقابٍ وتسمياتٍ مخصوصة ، إما تمييزاً لها عن غيرها من المسائل ، أو لخروجها عن القواعد المطَّردة والأصول المقررة لدى بعض الأئمة ، أو نسبةً للمفتي في تلك المسألة أو للمستفتي أو لعبارةٍ وردت ضمن الفتوى ، أو لغير ذلك من الأسباب ، وقد أعرضتُ عن المسائل المتعلقة بأحكام المواريث حيث أفردها بعض أهل العلم فاكتفيت بالمسائل الفقهية في الأبواب الأخرى واجتهدتُ في إيضاحها وإيجازها بغير إطالةٍ تؤدي إلى الملالة ، ورتبتها على حروف المعجم ، فإلى المادة :





1 - مسألة (كراء العُقَب) :

معنى الكِراء أي : الإجارة ، والعُقَب جمع عُقْبَة أي : النوبة[1] ، وصورة هذه المسألة هي أن يؤَجِّر الشخص دابته إما لرجل يتناوب هو وإياه ، وإما لرجلين يكونان هما اللذان يتناوبان ، بحيث يركب الأول أوقاتاً محددةً ومعلومة ويركب الآخر أوقاتاً أخرى محددة ومعلومة كذلك ، أو ليركب أحدهما مسافة محددةً ومعلومة كنصف الطريق أو ربعه مثلا ويركب الآخر مسافة أخرى محددة ومعلومة كذلك ، قال أبو القاسم الرافعي في "فتح العزيز" (12/ 261) : (( وهذه المسألة تشهر بـ"كِراء العقب" )) . اهـ ومذهب جمهور الفقهاء هو جواز هذه الصورة من الإجارة[2] ، والله أعلم .


.
.
.


2 - مسألة (لبن الفحل) :

من المعلوم أن المرأة التي ترضع طفلاً تكون أمّاً له من الرضاعة لقوله تعالى {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم} وهذا مما لاخلاف فيه ، ولكن هل زوج المرضعة -التي نزل لها منه لبن- يكون بمنزلة الأب ؟ يقول الكاساني في "بدائع الصنائع" (4/ 3) : (( وهي المسألة الملقبة عند الفقهاء بـ"لبن الفحل"  أنه هل يُحرِّم أو لا ؟ )) . اهـ والذي عليه جمهور الصحابة والتابعين ومَن بعدَهم من الفقهاء ، بل قال ابن رشد في "البيان والتحصيل" (4/ 352) : (( لا اختلاف فيه بين أحد من فقهاء الأمصار )) ، أنه يُحَرِّم ويكون زوجُ المرضعةِ أباً من الرضاعة ، بحيث لو كان للرجل زوجتان مثلاً وأرضعت كل واحدةٍ منهما صغيراً أجنبياً فقد صارا أخوينِ لأب من الرضاعة[3] ، والله أعلم .

.
.
.


3 - مسألة (المخمسة) :
هي مسألة تُذكر في أحكام القضاء وأبواب الدعاوى ، وصورتها : أن يدَّعي الطرف الأول مُلكِية العين التي في يد الطرف الثاني ، فيدفع الطرف الثاني هذه الدعوى بأن يذكر أن العين ليست له هو ولا للطرف الأول وإنما هي لطرفٍ ثالث غائب ، فتُسمَّى هذه المسألة بـ(مخمسة كتاب الدعوى) إذا ادَّعى الطرف الثاني أن هذه العين لها حالة من بين الحالات الخمس الآتية :
1 – أن يقول : هي (وديعة) للطرف الثالث وضعها عندي .
2 – أو يقول : هي (عاريَّة) استعرتها من الطرف الثالث .
3 – أو يقول : هي (رهنٌ) عندي على الطرف الثالث .
4 – أو يقول : هذه العين (مستأجرة) قد استأجرتها من الطرف الثالث .
5 – أو يقول : هذه العين (مغصوبة) وأنا من اغتصبها من الطرف الثالث .
فهذا وجه تسميتها بـ(المخمسة) وأكَّد هذه التسمية أيضاً أن الفقهاء قد اختلفوا في حكم هذه المسألة على خمسة أقوال أيضاً :
1 - الذي عليه جماهير أهل العلم أن الطرف الثاني إذا أقام بيِّنةً تُثبِتُ أن العين المدعاة هي ملكٌ للطرف الثالث المُقَرِّ له الغائب عن البلد قُبِلَت دعواه ودُفِعَت دعوى الطرف الأول 
2 – قول ابن شبرمة : أن الدعوى لا تندفع عن الطرف الثاني بمثل ذلك مطلقاً .
3 – قول القاضي محمد ابن أبي ليلى : أن الدعوى تندفع عن الطرف الثاني مطلقاً.
4 - قول أبي يوسف القاضي : أنها تندفع بعد تقديم البيِّنة بشرط أن يكون الطرف الثاني من أهل الصلاح لا الحيل والمخادعات .
5 – قول محمد بن الحسن الشيباني : أنها تندفع بعد تقديم البيِّنة بشرط أن يُعرف اسم الغائب الذي أقر له ونسبه .[4]
فسبب التسمية لا يخرج عن هذين الأمرين ، والله أعلم .


.
.
.


4 - مسألة (مُد عجوة ودرهم) :

أما ( الـمُـد ) فمعروف وأصل الكلمة هو أن يمد الرجل يديه فيملأ كفيه طعاما[5] ، وهو مكيال من المكاييل التي تُقَدَّر بها الأشياء ، وقد اتفق اللغويون والفقهاء على أنه يساوي ربع صاع[6] ، إلا أنه وقع خلاف في ما يعادله المد بالرطل وبالدرهم[7] ، وأما ( العَـجْـوَة ) فهو نوعٌ من أجود التمر بالمدينة النبوية ، ونخلتها تسمى لينة[8] ، وقد دَرَجَ عددٌ من الفقهاء على إطلاق (مد عجوة ودرهم) لقباً على مسألةٍ في باب الرّبا والصّرف ، وهي كما عرّفها شيخ الإسلام ابن تيمية : (( بيعُ ربويٍّ بجنسِهِ ، ومعهما - أو مع أحدهما - صنفٌ آخر مِن غير جنسه ))[9] ، وذلك كبيع درهمين (أو درهم وثوب) مقابل درهم ومُدٍّ من تمر عجوة ، أو كبيع شيء محلّى بذهب أو فضّة (كسيف ، أو مصحف) بجنس حليته .[10]









[1] فيتعاقب الرجلان أي : يتناوبان، فيركب هذا نوبة وهذا نوبة، كما أن الليل والنهار يتعاقبان، أي : يجيىء أحدهما بعقب الآخر  . انظر : النظم المستعذب لابن بطّال الركبي (2/ 42)
[2] انظر : نهاية المطلب للجويني (8/ 98) ، روضة الطالبين وعمدة المفتين (5/ 183) ، المغني لابن قدامة (5/ 384) ، المبدع لأبي إسحاق ابن مفلح (4/ 437) ، الموسوعة الفقهية الكويتية (34/ 214) .
[3] انظر : المحلى لابن حزم (10/ 2) ، الإشراف لابن المنذر (5/ 120) ، نهاية المطلب للجويني (15/ 342) ،  المغني لابن قدامة (7/ 113) ، الإرشاد لابن أبي موسى الهاشمي (ص 315) ، الموسوعة الفقهية الكويتية (22/ 248)
[4] انظر للأقوال السابقة : بدائع الصنائع للكاساني (6/ 231) ،  البناية شرح الهداية للعيني (9/ 379) ، تبصرة الحكام لابن فرحون (1/ 141- 142) ، الطريقة المرضية للشيخ محمد جعيط (ص39) ، أدب القضاء لابن أبي الدم الحموي (ص271- 272) ،  نهاية المحتاج (8/ 350) ، المغني لابن قدامة (14/ 310 وما بعدها) ، كشاف القناع للبهوتي (6/ 342).
[5] انظر : النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 308) ، المصباح المنير (ص216)
[6] انظر : المقادير الشرعية والأحكام الفقهية المتعلقة بها (ص162) .
[7] وينبني على هذا الخلاف خلافٌ بين الفقهاء المتأخرين في مقدار المد حسب المقاييس والأوزان المعاصرة ، وللتوسع والاستزادة حول المسألة . انظر المصدر السابق (ص161) ، مجلة البحوث مجلة الإسلامية ( عدد 39 ص 286 ) .
[8] الصحاح (6/ 2419)
[9] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 29/ 457) 
[10] انظر : المصباح المنير ( 2/ 688) ، بداية المجتهد (2/ 197) ، مغني المحتاج (2/ 28 – 29) ، المبسوط (5/ 14) ، معجم المصطلحات المالية والاقتصادية في لغة الفقهاء (ص 408)