الجمل
الندية من ألقاب المسائل الفقهية (9)
بقلم
: محمد أحمد العباد
بسم الله
الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين ، أما بعد : فهذه المقالة التاسعة ضمن سلسلة مقالات تدور حول بعض المسائل المنصوصة
في كتب الفقهاء بألقابٍ وتسمياتٍ مخصوصة ، إما تمييزاً لها عن غيرها من المسائل ، أو
لخروجها عن القواعد المطَّردة والأصول المقررة لدى بعض الأئمة ، أو نسبةً للمفتي في
تلك المسألة أو للمستفتي أو لعبارةٍ وردت ضمن الفتوى ، أو لغير ذلك من الأسباب ، وقد
أعرضتُ عن المسائل المتعلقة بأحكام المواريث حيث أفردها بعض أهل العلم فاكتفيت بالمسائل
الفقهية في الأبواب الأخرى واجتهدتُ في إيضاحها وإيجازها بغير إطالةٍ تؤدي إلى الملالة
، ورتبتها على حروف المعجم ، فإلى المادة :
1 - مسألة (كراء العُقَب) :
معنى
الكِراء أي : الإجارة ، والعُقَب جمع عُقْبَة أي : النوبة[1] ، وصورة هذه
المسألة هي أن يؤَجِّر الشخص دابته إما لرجل يتناوب هو وإياه ، وإما لرجلين يكونان
هما اللذان يتناوبان ، بحيث يركب الأول أوقاتاً محددةً ومعلومة ويركب الآخر
أوقاتاً أخرى محددة ومعلومة كذلك ، أو ليركب أحدهما مسافة محددةً ومعلومة كنصف الطريق
أو ربعه مثلا ويركب الآخر مسافة أخرى محددة ومعلومة كذلك ، قال أبو القاسم الرافعي
في "فتح العزيز" (12/ 261) : (( وهذه المسألة تشهر بـ"كِراء العقب"
)) . اهـ ومذهب جمهور الفقهاء هو جواز هذه الصورة من الإجارة[2] ، والله
أعلم .
.
.
.
2 - مسألة (لبن الفحل) :
من
المعلوم أن المرأة التي ترضع طفلاً تكون أمّاً له من الرضاعة لقوله تعالى
{وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم} وهذا مما لاخلاف فيه ، ولكن هل زوج المرضعة -التي نزل لها
منه لبن- يكون بمنزلة الأب ؟ يقول الكاساني في "بدائع الصنائع" (4/ 3) :
(( وهي المسألة الملقبة عند الفقهاء بـ"لبن الفحل" أنه هل يُحرِّم أو لا ؟ )) . اهـ والذي عليه
جمهور الصحابة والتابعين ومَن بعدَهم من الفقهاء ، بل قال ابن رشد في "البيان
والتحصيل" (4/ 352) : (( لا اختلاف فيه بين أحد من فقهاء الأمصار )) ، أنه
يُحَرِّم ويكون زوجُ المرضعةِ أباً من الرضاعة ، بحيث لو كان للرجل زوجتان مثلاً وأرضعت
كل واحدةٍ منهما صغيراً أجنبياً فقد صارا أخوينِ لأب من الرضاعة[3] ، والله
أعلم .
.
.
.
3 - مسألة (المخمسة) :
هي
مسألة تُذكر في أحكام القضاء وأبواب الدعاوى ، وصورتها : أن يدَّعي الطرف الأول
مُلكِية العين التي في يد الطرف الثاني ، فيدفع الطرف الثاني هذه الدعوى بأن يذكر
أن العين ليست له هو ولا للطرف الأول وإنما هي لطرفٍ ثالث غائب ، فتُسمَّى هذه
المسألة بـ(مخمسة كتاب الدعوى) إذا ادَّعى الطرف الثاني أن هذه العين لها حالة من
بين الحالات الخمس الآتية :
1
– أن يقول : هي (وديعة) للطرف الثالث وضعها عندي .
2
– أو يقول : هي (عاريَّة) استعرتها من الطرف الثالث .
3
– أو يقول : هي (رهنٌ) عندي على الطرف الثالث .
4
– أو يقول : هذه العين (مستأجرة) قد استأجرتها من الطرف الثالث .
5
– أو يقول : هذه العين (مغصوبة) وأنا من اغتصبها من الطرف الثالث .
فهذا
وجه تسميتها بـ(المخمسة) وأكَّد هذه التسمية أيضاً أن الفقهاء قد اختلفوا في حكم
هذه المسألة على خمسة أقوال أيضاً :
1
- الذي عليه جماهير أهل العلم أن الطرف الثاني إذا أقام بيِّنةً تُثبِتُ أن العين المدعاة
هي ملكٌ للطرف الثالث المُقَرِّ له الغائب عن البلد قُبِلَت دعواه ودُفِعَت دعوى
الطرف الأول
2
– قول ابن شبرمة : أن الدعوى لا تندفع عن الطرف الثاني بمثل ذلك مطلقاً .
3
– قول القاضي محمد ابن أبي ليلى : أن الدعوى تندفع عن الطرف الثاني مطلقاً.
4
- قول أبي يوسف القاضي : أنها تندفع بعد تقديم البيِّنة بشرط أن يكون الطرف الثاني
من أهل الصلاح لا الحيل والمخادعات .
5
– قول محمد بن الحسن الشيباني : أنها تندفع بعد تقديم البيِّنة بشرط أن يُعرف اسم الغائب
الذي أقر له ونسبه .[4]
فسبب
التسمية لا يخرج عن هذين الأمرين ، والله أعلم .
.
.
.
4 - مسألة (مُد عجوة ودرهم) :
أما
( الـمُـد ) فمعروف وأصل الكلمة هو أن يمد الرجل يديه فيملأ كفيه طعاما[5] ، وهو مكيال
من المكاييل التي تُقَدَّر بها الأشياء ، وقد اتفق اللغويون والفقهاء على أنه
يساوي ربع صاع[6]
، إلا أنه وقع خلاف في ما يعادله المد بالرطل وبالدرهم[7] ، وأما (
العَـجْـوَة ) فهو نوعٌ من أجود التمر بالمدينة النبوية ، ونخلتها تسمى لينة[8] ، وقد
دَرَجَ عددٌ من الفقهاء على إطلاق (مد عجوة ودرهم) لقباً على مسألةٍ في باب الرّبا
والصّرف ، وهي كما عرّفها شيخ الإسلام ابن تيمية : (( بيعُ ربويٍّ بجنسِهِ ، ومعهما
- أو مع أحدهما - صنفٌ آخر مِن غير جنسه ))[9] ، وذلك كبيع
درهمين (أو درهم وثوب) مقابل درهم ومُدٍّ من تمر عجوة ، أو كبيع شيء محلّى بذهب أو
فضّة (كسيف ، أو مصحف) بجنس حليته .[10]
[1]
فيتعاقب الرجلان أي : يتناوبان، فيركب هذا نوبة وهذا نوبة، كما أن
الليل والنهار يتعاقبان، أي : يجيىء أحدهما بعقب الآخر . انظر : النظم المستعذب لابن بطّال الركبي (2/
42)
[2] انظر : نهاية المطلب للجويني (8/ 98) ، روضة الطالبين
وعمدة المفتين (5/ 183) ، المغني لابن قدامة (5/ 384) ، المبدع لأبي إسحاق ابن
مفلح (4/ 437) ، الموسوعة الفقهية الكويتية (34/ 214) .
[3] انظر : المحلى لابن حزم (10/ 2) ، الإشراف لابن المنذر
(5/ 120) ، نهاية المطلب للجويني (15/ 342) ،
المغني لابن قدامة (7/ 113) ، الإرشاد لابن أبي موسى الهاشمي (ص 315) ،
الموسوعة الفقهية الكويتية (22/ 248)
[4] انظر للأقوال السابقة : بدائع الصنائع للكاساني
(6/ 231) ، البناية شرح الهداية للعيني (9/
379) ، تبصرة الحكام لابن فرحون (1/ 141- 142) ، الطريقة المرضية للشيخ محمد جعيط (ص39)
، أدب القضاء لابن أبي الدم الحموي (ص271- 272) ،
نهاية المحتاج (8/ 350) ، المغني لابن قدامة (14/ 310 وما بعدها) ، كشاف القناع
للبهوتي (6/ 342).
[5]
انظر : النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 308) ، المصباح المنير
(ص216)
[6]
انظر : المقادير الشرعية والأحكام الفقهية المتعلقة بها (ص162) .
[7]
وينبني على هذا الخلاف خلافٌ بين الفقهاء المتأخرين في مقدار
المد حسب المقاييس والأوزان المعاصرة ، وللتوسع والاستزادة حول المسألة . انظر
المصدر السابق (ص161) ، مجلة البحوث مجلة الإسلامية ( عدد 39 ص 286 ) .
[8]
الصحاح (6/ 2419)
[9] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 29/ 457)
[10]
انظر : المصباح المنير ( 2/ 688) ، بداية المجتهد (2/ 197) ، مغني
المحتاج (2/ 28 – 29) ، المبسوط (5/ 14) ، معجم المصطلحات المالية والاقتصادية في لغة
الفقهاء (ص 408)