الجمعة، 1 مايو 2015



الجمل الندية من ألقاب المسائل الفقهية  (4)

بقلم : محمد أحمد العباد






باسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد : فهذه المقالة الثالثة ضمن سلسلة مقالات تدور حول بعض المسائل المنصوصة في كتب الفقهاء بألقابٍ وتسمياتٍ مخصوصة ، إما تمييزاً لها عن غيرها من المسائل ، أو لخروجها عن القواعد المطَّردة والأصول المقررة لدى بعض الأئمة ، أو نسبةً للمفتي في تلك المسألة أو للمستفتي أو لعبارةٍ وردت ضمن الفتوى ، أو لغير ذلك من الأسباب ، وقد أعرضتُ عن المسائل المتعلقة بأحكام المواريث حيث أفردها بعض أهل العلم فاكتفيت بالمسائل الفقهية في الأبواب الأخرى واجتهدتُ في إيضاحها وإيجازها بغير إطالةٍ تؤدي إلى الملالة ، ورتبتها على حروف المعجم ، فإلى المادة :


 



1 - مسألة :(حمار ربيعة) :


المسألة المعروفة في المذهب المالكي بـ(حمار ربيعة)  هي مثال كغيره من الأمثلة التي يرتبط فيها العنوان – الذي لا يخلو من طرافة - بسياقه المجتمعي ، وصورتها إجمالاً تدور حول (الإقالة[1] من عقد البيع مقابل زيادة يدفعها من يطلب الإقالة) ، وسبب تسميتها بهذا الاسم : أنَّ الفقيه ربيعة بن أبي عبد الرحمن - المعروف بـ(ربيعة الرأي) - سُئِلَ عن رجلٍ باع حماراً بثمنٍ مؤجل (10 دراهم مثلاً) ثم طلب البائع من المشتري الإقالة من هذا البيع مقابل دينار يعطيه إياه إمّا معجَّلاً أو مؤجَّلاً ، فقال ربيعة رحمه الله – كما في "المدونة" (3/ 166) - : إن هذه الصورة لا تكون إقالة من البيع بل هي بيع آخر ، وقال : (( إنما الإقالة أن يترادَّ البائعُ والمبتاع ما كان بينهما على ما كان البيع عليه )) . اهـ 
وقال أبو عمر ابن عبد البر في "الاستذكار" (21/ 10) : (( لا خلاف بين العلماء أن الإقالة إذا كان فيها نقصان أو زيادة أو تأخير أنها بيع )) . اهـ



.

.
.






2 - مسألة ( الحبلى / المجوَّفة ) :


وهي مسألة أيضاً تأتي بهذا اللقب في مذهب المالكية ، وتأتي في باب المسبوق في الصلاة وصورتها في شخص فاتته الركعتان الأولى والثانية ، وأدرك الركعة الثالثة فقط ، ثم رعف أنفه قبل الركعة الرابعة ففاتته الرابعة لأنه خرج لغسل أنفه ففي هذه الحالة عندما يعود لكي يصلِّي فعليه وفق قول- سُحنون من المالكية - فعل الآتي :

1 – يأتي بركعة يقرأ فيها بالفاتحة وسورة ويجلس للتشهد ؛ لأنها الركعة الثانية بالنسبة إليه .

2 - ثم يأتي بركعة يقرأ فيها أيضاً بالفاتحة وسورة لأنها الركعة الثانية بالنسبة إلى إمامه الذي كان يصلي خلفه ، ولا يجلس لأنها الركعة الثالثة بالنسبة إليه هو .

3 – ثم يأتي بركعة يقرأ فيها بالفاتحة فقط ويجلس فيها للتشهد الأخير ويسلّم .

يقول الشيخ خليل بن إسحاق المالكي في "التوضيح" (1/ 91) : (( وتُسمى هذه الحُبْلَى والمُجَوَّفَةَ؛ لصيرورةِ السورتين في وسطِها )) .اهـ ، وقال الصاوي في "بلغة السالك" (1/ 282) : (( تُلَقَّب بالحبلى لثقل وسطها بالقراءة )) . اهـ




.
.
.





3 – مسألة (خلع الثلث) :


وهي مسألةٌ تُذكر في باب الوصايا ، وهي في الذي يوصي في ثلث ماله فيقول مثلاً : (( أوصي  لفلانٍ بكذا ، ولفلان بكذا )) ، ويسمي مالا من ماله يخص به الموصى إليهم ، ثم بعد موته يقول ورثته : (( لقد زاد الميت في وصيته على الثلث ))  ، ففي هذه الحالة يقول الإمام مالك في "الموطأ" (2826) : (( إن الورثة يُخَيَّرُون :

-         بين أن يعطوا أهل الوصايا وصاياهم ، ويأخذون جميع مال الميت .

-         وبين أن يقسموا لأهل الوصايا ثلث مال الميت فقط فتكون حقوقهم  فيه إن أرادوا )) . 


قال أبو عمر ابن عبد البر في "الاستذكار" (23/ 47) : (( هذه مسألة معروفة لمالك وأصحابه يدعونها "مسألة خلع الثلث" ،  وخالفهم فيها أبو حنيفة والشافعي وأبو ثور وأحمد وداود وأصحابهم وأنكروها على مالك رحمه الله )) . اهـ 
وكذلك يندرج تحت هذه المسألة – كما في "المغني" لابن قدامة (6/ 208) - المحاباة في مرض الموت في البيع والشراء كأن يبيع المريض لشخص معيّن شيئاً قيمته (3000 آلاف دينار) بـ(1000 دينار) فقط ، فعند الجمهور أن البيع يصح ولكن صحته تتوقف على إذن الورثة وإجازتهم ، قال ابن قدامة : (( وعند مالك : للمشتري أن يفسخ البيع ويأخذ ثلث المبيع بالمحاباة ، ويسميه أصحابه "خلع الثلث" )) . اهـ





.
.
.


4 – مسألة (الـخُـمـاس) :


مسألةٌ تعرف بمسألة (الخماس) تُذكر في أحكام المُزارَعَة ، وصورتها أن يخرج أحدهما البذر والأرض والبقر وآلات ونفقات ، ويكون على الطرف الآخر عمل يده فقط ، ويكون له من الزرع جزءٌ كربع أو غيره من الأجزاء ، وهذه صورة من صور المزارعة الصحيحة المنصوص على صحتها كلٌّ من الحنفية والشافعية والحنابلة[2] ، وقد سمى المالكية هذه المسألة بـ(مسألة الخُماس) إلا أنهم اشترطوا لكي تصح أن تنعقد بلفظ (الشركة) فإن عُقِدت بلفظ (الإجارة) لم تصح لأن أجرة العامل حينئذٍ ستكون مجهولة[3] ، ولم أقف على سبب تسمية المسألة بهذا الاسم ، إلا أنه من المحتمل أن يكون السبب هو أن صاحب الأرض يقول مثلاً للعامل ( اعمل ولك خُمس الزرع ) فيسوغ تسمية العامل حينئذ بأنه (خُماس) إن كان نصيبه الخُمُس ، كما تسوغ تسميته مرابعاً إن كان نصيبه الرُّبع[4] ، والله أعلم .






الحواشي :

[1] الإقالة في اصطلاح الفقهاء: هي رفع العقد وإلغاء حكمه وآثاره بتراضي الطرفين . انظر : الموسوعة الفقهية الكويتية (5/ 324)
[2] انظر : الموسوعة الفقهية الكويتية (37/ 65)
[3] انظر : التاج والإكليل للموَّاق (7/ 154)،  شرح الرسالة لأبي العباس البرنسي المعروف بـ زرُّوق (2/ 790) ،  شرح مختصر خليل للخرشي (6/ 66)
[4] انظر : تكملة المعاجم العربية (4/ 240)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق