الاثنين، 17 مارس 2014

عشوان.. الذي لُقب بـ "طريم"

كان يعاني "التأتأة" في بدء نطق الكلمات، وكان محل سخرية أقرانه ولقبوه بـ "طريم" وفي مراتٍ أخرى لقبوه بـ "المخبول" لأنه كان يفكر بطريقة مختلفة.. انه عشوان الدوسري




نقلا عن صحيفة مكة
التسجيل الإذاعي عبر mbc fm

في محافظة السليّل التي تقع جنوب الرياض ولد (عشوان) عام (1968)، وسُمِيُّ على جده الفارس "عشوان الدوسري" الذي أُطلق عليه هذا الاسم تيمناً ببعير، ولكي يبقى على عادات أجداده الذين كانوا يشعلون النار ليلاً ليحل المسافرون ضيوفاً على عشواتهم.

عشوان الحفيد، كان محللاً للأمور بطريقة غريبة عن سائر أقرانه، فوصفوه بالمخبول. ولأنه كان يعاني "التأتأة" وهو مرض يجعل صاحبه يجد صعوبة في بدء نطق الكلمات، أصبحوا يسخرون منه ويلقبونه بلقب آخر هو "طريم"، ما دفعه لكثرة الصمت تلافياً للحرج، أو البعد عن الناس والانفراد بنفسه في البر. وكلما ازدادت سخرية الصبية من طريقة كلامه أو أفكاره، ازداد صمتاً وتأملاً، وبعد وفاة أمه قرر (عشوان) مغادرة المدرسة وهو في الصف الثاني الثانوي؛ لينضم للقطاع العسكري جندياً.

بعد مشاركة (عشوان) في حرب تحرير الكويت (1990) إلى جوار الأمريكان، وملاحظته طريقة عملهم، بزغت في رأسه ثلاث أفكار مختلفة وفي أوقات متباعدة لاختراعات تسهم في حل مشكلة هبوط الطائرات من دون عجلات، ومشكلة إطفاء حرائق الآبار النفطية بشكل أسرع وأقل ضرراً على البيئة، ومشكلة إخلاء المباني المرتفعة في أثناء الحرائق والكوارث. وبعدما فرغ من اختراعاته الثلاثة، قرر عرضها على الجهات المسؤولة، وظل يركض سنوات ليجد من يوصله إلى المسؤولين لعرض أفكاره، وحينما التقاهم، جاءه الجواب: "لو كانت أفكارك نافعة، لسبقك إليها الأمريكان والأوربيون واليابانيون"، فما كان منه إلا أن ذهب لمقابلة مسؤولي أحد مراكز البحوث وهناك تلقى الصفعة الثانية إذ قالوا له: "روح ارقد بس".

بعدها توجه (عشوان) بقدمي محبط إلى مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، متقدماً بطلب إثبات براءة اختراع لأفكاره الثلاثة، وبعد سنوات من الزيارات والجهد، كان ردهم مشابهاً لكل من رأوا في أفكاره جنوناً وسخافة، وألحقوها بعبارات التعجيز حتى يضمنوا ألا يكرر الزيارة فقالوا له: "أنت لا تمتلك شهادة علمية ويجب أن تقدم فكرتك بشكل مكتوب بجانب طلب براءة الاختراع".

كان ردهم محفزاً له للعودة إلى مقاعد الدراسة عام (1999)، فانتظم في صفوف الدراسة الليلية، واشترى جهاز حاسوب ليتعلم كيف يكتب أفكاره وليبحر في عالم الإنترنت. واستمر يكافح إلى أن أنهى المرحلة الثانوية العامة وعاد ليتقدم مرة أخرى لهم بدراسة مشروعه (حاضنة الطائرات) فجاءه الرد بأن "الفكرة مسجلة مسبقاً في أربع دول هي؛ أمريكا وألمانيا وروسيا وبريطانيا.. ولا يمكن قبول طلبك". سأل (عشوان) الشخص المسؤول: "هل هنالك مانع من وجود دولة خامسة وهي (السعودية) ضمن هذه الدول، خصوصاً أن الأفكار المسجلة مختلفة عن فكرتي تماماً؟". تفاجأ المسؤول من إصراره وطلب منه كتابة تقرير علمي مفصل عن الفوارق بين الاختراعات الأربعة، واضطر عشوان أن يترجم الدراسات الأربع رغم اختلاف لغاتها ليعود بعدها بتقرير علمي مفصل يثبت أن اختراعه أكثر جودة وتقدماً من الاختراعات السابقة، وبناءً عليه حصل على براءة اختراع لمشروعه الأول في منتصف (2001).

بعدها راسل عشوان شركة إيرباص AirBus العالمية عارضاً عليهم فكرة مشروعه، وطلب منهم مساعدته في تطبيق المشروع على إحدى الطائرات، فجاءه الرد كالصاعقة، أن الاختراع فريد من نوعه والشركة تطلب شراء براءة اختراعه مقابل 66 مليون دولار، وأنهم ينتظرون موافقته العاجلة حتى يتم دعوته لزيارة الشركة. لم يصدق عشوان ما قرأه فطلب أن يلتقي بالمسؤولين العسكريين لأخذ الموافقة على هذه الخطوة وطلب مساعدتهم؛ ليتحول الأمر إلى شراكة بين شركة عالمية وجهة رسمية في الدولة لحماية عشوان ومشروعه.

بدأت تنهال على عشوان طلبات شراء براءة الاختراع محلياً، بعدما بدأ يتسرب خبر رغبة آيرباص لشراء البراءة، ولكنه رفض كل العروض لأنه أيقن أنه على أعتاب مجد كبير وصفقة لم تكن ضمن توقعات أحد في يوم من الأيام، ولكن كان لرفضه ضريبة قاسية، أنه تم تجاهل مشروعه وإصدار قرار بأن اختراعه غير مطابق للقياسات وغير نافع. ولم ينته مسلسل إحباط (عشوان) إلى هنا، فحينما حدثت هجمات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية نصحه شخص بالتخلص من مشروعه لأنه سيكون ضمن لوائح المطلوبين الذين تعمقوا في مجال الطيران وهو ليس تخصصهم فخشي على نفسه وقام بحرق كل أوراق المشروع وحطم جهاز الكمبيوتر الذي عمل عليه.. لكنه احتفظ بكل شيء في ذاكرة رأسه فقط.

التحق (عشوان) بجامعة الملك عبدالعزيز كطالبَ انتساب في كلية إدارة الأعمال، وتخرج فيها أثناء رحلاته المتكرره إلى الصين ليعمل على تنفيذ مشاريعه حيث قدمت له براءتي اختراع. وأثناء وجوده في الصين (2011) اتصلت به مؤسسة (موهبة) ليشارك في معرض (نورمبيرج) بألمانيا للمخترعين مجاملةً له؛ لعدم تمكن أحد المخترعين المعتمدين من المشاركة. فغادر من الصين إلى ألمانيا وقدم مشروعه الخاص بحاضنة الطائرات الذي عاد للحياة من جديد في هذا المعرض بحصوله على الميدالية الذهبية عالمياً، ثم قدمت له إحدى أعرق الجامعات الصينية (تشينغخوا) منحةً تعليمية لإكمال تعليمه العالي واختراعاته في الصين، لكنه فضل أن يدرس الماجستير في وطنه لارتباطاته الأسرية والعملية.

لم يخطئ من سمى (عشوان) تيمناً بالبعير، فهو يمتلك صبراً قل أن تراه في البشر، فحينما أغلقت في وجهه الأبواب اضطر إلى أن يفعل كالبعير الذي يأكل من شحومه ليستمر في المشي لأيام، حيث باع بيته وسيارته ليغادر للصين ويصرف على مشاريعه بنفسه. ولا يرى (عشوان) في ذلك كله فضلاً - بعد الله - إلا لزوجته الذي صبرت وعانت وتحملت من أجله الشيء الكثير في تربية أبنائهما الستة بينما هو متفرغ للعلم واثبات اختراعاته، ثمّ نصائح والده الذي قال له بعدما رآه يتوج في ألمانيا: "من أراد أن يصل لشيء عظيم سيواجه مصاعب عظيمة مقابلها.. لكنه سيجني شيئاً عظيماً في الأخير إن صبر".

عشوان تخلص من "التأتأة" وتبقى له شهراً واحداً  ليحصل على الماجستير من كلية الأمير نايف العسكرية، وهو الذي أنهى اليوم جميع الأعمال المتعلقة بتجارب مشاريعه في الصين ليفاجئ العالم قريباً بإنجازات الشاب الذي وُصف بالخبل ولطالما عيروه بالنقص لأنه غير متعلم و"يتأتئ" بالإضافة إلى وقفوا في طريقه حسداً واستكثارا على هذا الشخص البسيط أن يحقق نجاحاً عالمياً!.. وللقصة بقية بعد التتويج المقبل.


















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق