الجمل
الندية من ألقاب المسائل الفقهية (8)
بقلم
: محمد أحمد العباد
باسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف
الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد : فهذه المقالة الثامنة
ضمن سلسلة مقالات تدور حول بعض المسائل المنصوصة في كتب الفقهاء بألقابٍ وتسمياتٍ مخصوصة
، إما تمييزاً لها عن غيرها من المسائل ، أو لخروجها عن القواعد المطَّردة والأصول
المقررة لدى بعض الأئمة ، أو نسبةً للمفتي في تلك المسألة أو للمستفتي أو لعبارةٍ وردت
ضمن الفتوى ، أو لغير ذلك من الأسباب ، وقد أعرضتُ عن المسائل المتعلقة بأحكام المواريث
حيث أفردها بعض أهل العلم فاكتفيت بالمسائل الفقهية في الأبواب الأخرى واجتهدتُ في
إيضاحها وإيجازها بغير إطالةٍ تؤدي إلى الملالة ، ورتبتها على حروف المعجم ، فإلى المادة
:
1 - مسألة (غريم الغريم
غريم) :
هذه المسألة بمعناها العام
تتمثل فيما لو كان لي دَينٌ على شخصٍ ما ؛ فحينئذ يكون هذا الشخص (غريمي ) ، وفي
نفس الوقت أيضاً كان لغريمي هذا دينٌ يستحقه هو على طرفٍ ثالث ، فحينئذ يكون ذلك الطرف
الثالث (غريم غريمي) ، والمسألة هي هل يكون غريم غريمي غريماً لي أنا أيضاً أو لا
يكون ؟ فمن الفقهاء من جعله كالغريم مطلقاً ، ومنهم من جعله ليس كالغريم ، ومنهم
من جعله كالغريم في مواضع دون أخرى[1] ، إلا أن
هذه المسألة في المذهب المالكي لها صورةٌ أخصّ من هذه الصورة السابقة ، وهي مسألة تتعلق
في باب القضاء والشهادات ، وصورتها :
1 - أن يشهد شخصان على شخص
ثالث بأنه مدينٌ بمبلغ من المال لشخصٍ رابع.
2 – ثم يقضي القاضي بمقتضى
شهادتهما .
3 - ولكن قبل أن يدفع الشخص
الثالث [ المقضي ضده ] للشخص الرابع [
المقضي لصالحه ] يتراجع الشاهدان عن كلامِهما !
فهنا ينص فقهاء المالكية على :
أن ذلك الشخص الثالث (المقضي ضده) يجوز له أن يُطالِبَهما بالمال ليدفعاه عنه للشخص
الرابع (المقضي لصالحه) ، بل ويجوز أيضاً للشخص الرابع (المقضي لصالحه) أن يطالب
الشاهدين بدفع هذا المال لصالحه إذا لم يستطع المقضي ضده مطالبتهما به كأن يموت أو
يفلس أو يهرب أو غير ذلك من الأسباب ، قال الخرشي في "شرح مختصر خليل"
(7/ 229) : ((لأنهما غريما غريمه ... وهذه المسألة تعرف بمسألة "غريم الغريم غريم
" )) .[2]
اهـ ، فهذه صورة المسألة ، والله أعلم .
.
.
.
2 – مسألة (قفيز الطحان) :
القفيز هو أحد المكاييل
المتداولة قديماً ، ويعادل في الوقت الحالي ما بين 80 إلى 100 كيلو جرام[3] ، ومسألة
(قفيز الطحان) بمعناها ومفهومها العام هو أن تكون أُجرة الأجير عبارة عن مقدار محدد من الإنتاج ، مثل : أن يُعطَى
الطَّحانُ أقفزةً معلومة ليطحنها مقابل أن تكون أجرته قفيزاً واحداً منها[4] ، يقول
الشيخ عبد اللطيف السبكي - رحمه الله - في تعليقه على"الإقناع للحجاوي"
(2/ 270) : (( وقد اشتهرت هذه المسألة بمسألة "قفيز الطحان" )) . اهـ ،
وسبب تسميتها بهذا الاسم هو ورود حديثٍ مُختَلَفٍ في صحته ، وهو أن النبي r ((نهى عن قفيز الطحان))[5] ، وقال
شيخ الإسلام ابن تيمية – كما في "مجموع الفتاوى" (30/ 113) – مُبيِّناً
وجه بطلان الحديث وعدم ثبوته : (( إن أهل المدينة لم يكن لهم على عهد النبي r
مكيالٌ يُسَمَّى "القفيز" وإنما حدث هذا المكيال لما فُتِحَت
العراق وضرب عليهم الخراج[6] ، والعراق
لم يفتح على عهد النبي r ))
. اهـ ، والله أعلم .
الحواشي :
[1] انظر : البيان والتحصيل لابن رشد (4/ 219، 395 و
6/ 59 و7/ 140 و 168 و8/ 323، 356 و12/ 71) ، الذخيرة للقرافي (9/ 13، 162 و10/ 320 و12/192)
، المنثور في القواعد للزركشي (2/ 428) ،
تحفة المحتاج للهيتمي(10/ 172، 289 وما بعدها) ،
كشاف القناع عن متن الإقناع (3/ 566) ، فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم
آل الشيخ (7/ 228) ، الموسوعة الفقهية الكويتية (29/ 164)
[2] وانظر : بلغة السالك للصاوي (4/ 303)
[3]
انظر : مجلة البحوث الإسلامية (عدد: 59 ، ص195)
[4] انظر : الموسوعة الفقهية الكويتية (1/ 264) ،
وقال ابن القيم في "إغاثة اللهفان" (2/ 44) : (( حَمَلَهُ بعضُ أصحابنا
[ أي : على افتراض صحته ] على أن المنهي عنه هو طحن الصبرة التي لا يُعلم كيلها ))
بحيث يكون مقدار الأجرة مجهولاً .
[5]
أخرجه الدارقطني في سننه () بإسنادٍ ظاهره الصحة ، وقد يكون
شاذاً ؛ ولذا قال ابن قدامة في "المغني" (5/ 9) : (( هذا الحديث لا نعرفه
، ولا يثبت عندنا صحته )) . اهـ ، وقال ابن القيم في "إعلام الموقعين"
(2/ 250) : (( حديث لا يثبت بوجه )) . اهـ ، وقال أيضاً في "إغاثة
اللهفان" (2/ 44) : (( هذا الحديث لا يصح ، وسمعت شيخ الإسلام يقول : هو موضوع
)) . اهـ
[6]
انظر : الإيضاح والتبيان في معرفة المكيال والميزان لابن الرفعة
(ص 72 حاشية 1) .