الأربعاء، 3 يونيو 2015



الجمل الندية من ألقاب المسائل الفقهية (7)
بقلم : محمد أحمد العباد

باسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد : فهذه المقالة السابعة ضمن سلسلة مقالات تدور حول بعض المسائل المنصوصة في كتب الفقهاء بألقابٍ وتسمياتٍ مخصوصة ، إما تمييزاً لها عن غيرها من المسائل ، أو لخروجها عن القواعد المطَّردة والأصول المقررة لدى بعض الأئمة ، أو نسبةً للمفتي في تلك المسألة أو للمستفتي أو لعبارةٍ وردت ضمن الفتوى ، أو لغير ذلك من الأسباب ، وقد أعرضتُ عن المسائل المتعلقة بأحكام المواريث حيث أفردها بعض أهل العلم فاكتفيت بالمسائل الفقهية في الأبواب الأخرى واجتهدتُ في إيضاحها وإيجازها بغير إطالةٍ تؤدي إلى الملالة ، ورتبتها على حروف المعجم ، فإلى المادة :




1 – مسألة (ضع وتَعَجَّل) :

هي مسألة تُذكر في أحكام الصلح في الديون ، وصورتها : أن يكون لرجلٍ على آخر دينٌ مؤجل ، فيتصالحان على أن يعجل المدين بالسداد قبل حلول الأجل مقابل أن يُسقِط عنه الدائن جزءاً من الثمن ، قال شهاب الدين البرنسي– الشهير بـ(زروق) – في "شرح الرسالة" (2/ 747) : (( هذه المسألة تسمى عند الفقهاء "ضع وتعجل" )) . اهـ وسبب تسميتها بهذا الاسم هو حديثٌ ضعيف الإسناد روي عن عكرمة عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : أن النبي r حين أمر بإخراج بني النضير من المدينة جاءه أناسٌ منهم , فقالوا : (( إن لنا ديوناً لم تحل )) , فقال r : (( ضعوا وتعجلوا )) [1] ، وأصحّ من هذا الحديث سنداً ما ثبت عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه سُئِلَ عن الرجل يكون له الحق على الرجل إِلى أجل ، فيقول : (( عجِّل لي ، وأضع عنك )) ، فقال t : (( لا بأس بذلك )) .[2]
وقد اختلف فيها الفقهاء على ثلاثة أقوال : وهي أولها : الجواز ، وثانيها : التحريم ، وثالثها : الجواز في دين العبد المكاتب فقط ، وبجوازها صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة[3] ، والله أعلم .




.
.
.


2 – مسألة (الظَّفَر) :

وهي مسألةٌ تُذكر في أبواب فقهية مختلفة ومعناها أن يكون لشخصٍ حقٌ على شخص آخر يرفض أداءه ويتعذر استيفاء ذلك الحق عن طريق القضاء ، فهل يجوز استيفاء ذلك الحق من غير قضاء ومن غير رضا الشخص الذي عليه الحق ؟ قال الزركشي في "شرح مختصر الخِرَقي" (7/ 424) : (( هذه المسألة تلقب بمسألة الظفر )) . اهـ وهي مسألة عظيمة الخطر ، اختلف فيها الفقهاء من حيث الجواز والحرمة  إلا أن أصحاب هذه الأقوال رغم اختلافهم قد ضبطوا موضع الخلاف هنا بضوابط ، منها : ألا يكون من عليه الحق ممتنعاً لأمر خارج عن قدرته كالإعسار مثلاً ، وألاّ يفضي استيفاء الحق إلى فتنة ، وألا يُنسب صاحب الحق إلى رذيلة كَأَنْ يُعتبر سارقاً ونحو ذلك ، وألاّ يكون الحق المراد استيفاؤه عقوبة كالقصاص والحدود .[4] 


.
.
.



3 – مسألة ( العينة ) :

مسألة "العينة" من المسائل المعروفة في أبواب الربا ، وهي وإن كان لها أكثر من صورة إلا أن أكثر الصورة شهرة وتبادراً عند الإطلاق هي كالتالي :
أ - أن أبيع سلعةً مقابل ثمن مؤجل يُسدِّده لي المشتري في وقت لاحق .
ب – ثم أقوم بشراء نفس السلعة التي بِعتها ومن نفس المشتري أيضاً ولكن بثمنٍ أقل[5] أسلِّمُهُ للمشتري عاجلاً لا آجلاً .
قال ابن قدامة في "المغني" (4/ 132) : (( من باع سلعة بثمن مؤجل ، ثم اشتراها بأقل منه نقدا لم يجز في قول أكثر أهل العلم ... ، وهذه المسألة تسمى مسألة العينة ، قال الشاعر :
أنَدَّانُ ؟ أم نَعْتَانُ ؟ أم ينبرِي لنا ... فتىً مثل نَصْلِ السيفِ مِيزَت مَضَارِبُهُ ؟ )) . اهـ
وهناك صور أخرى للعينة ، مثل : أن أبيع سلعتي بثمنٍ مؤجل ثم أشتري سلعتي بثمن مؤجل بأجل أبعد . أو مثل : أن أبيع سلعتي بثمنٍ أستلمه عاجلاً ثم أقوم لاحقاً - عند أَجلٍ ما - بشراء سلعتي من نفس الشخص ولكن بثمنٍ أعلى ، وهناك من الفقهاء من أدخل التورق والمواعدة الملزمة على الشراء في مسألة "العينة" وغير ذلك من الصور ، إلا أن جميع هذه الصور ليست محل اتفاق بين المذاهب كما أنها ليست في حكمٍ واحد ، والصورة الأولى تكاد تكون أشهر صور العينة كما سبق ، والله أعلم .[6]









الحواشي : --------------------------

[1] أخرجه الدارقطني في "السنن" (3/ 466) وضعفه إسناده ، والحاكم في "المستدرك" (2/ 61) وضعفه الذهبي في تلخيصه المطبوع مع المستدرك .
[2] أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (8/ 72)
[3] انظر للاستزادة : بحوث في قضايا فقهية معاصرة للعثماني (ص 25) ، المعاملات المالية أصالة ومعاصرة للدبيان (11/ 509)
معجم المصطلحات المالية والاقتصادية في لغة الفقهاء لنزيه حماد (ص 290)
[4] انظر : المغني لابن قدامة (12/ 229) ، روضة الطالبين للنووي (8/ 282) ، قواعد الأحكام للعز ابن عبد السلام (ص333) ، الذخيرة للقرافي (11/ 15) ، فتح الباري لابن حجر (5/ 400) ، الإنصاف للمرداوي (11/ 311) .
[5] أما إن اشتراها بالثمن نفسه أو بأكثر منه فلا خلاف حينئذ في الجواز . انظر : أحكام القرآن للجصاص (1/ 637)
[6] انظر : الاستذكار لابن عبد البر (19/ 247) ، المحلى لابن حزم (7/ 548) ، المنتقى للباجي (4/ 167) ، الشرح الكبير لأبي الفرج ابن قدامة (4/ 46) إعلام الموقعين لابن القيم (3/ 135) ، تبيين الحقائق للزيلعي (4/ 54)، الفروع (4/ 169)، الإنصاف (4/ 335)، تكملة المجموع للسبكي (10/ 145) ، حاشية ابن عابدين (5/ 405) ، المعاملات المالية أصالة ومعاصرة للدبيان (11/ 394) ، الأحاديث الواردة في البيوع المنهي عنها للثنيان(2/ 577)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق