السبت، 11 أبريل 2015



الجُمَل النَّدِية من ألقاب المسائل الفقهية ( 2 )
بقلم : محمد أحمد العباد


باسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد : فهذه المقالة الثانية ضمن سلسلة مقالات تدور حول بعض المسائل المنصوصة في كتب الفقهاء بألقابٍ وتسمياتٍ مخصوصة ، إما تمييزاً لها عن غيرها من المسائل ، أو لخروجها عن القواعد المطَّردة والأصول المقررة لدى بعض الأئمة ، أو نسبةً للمفتي في تلك المسألة أو للمستفتي أو لعبارةٍ وردت ضمن الفتوى ، أو لغير ذلك من الأسباب ، وقد أعرضتُ عن المسائل المتعلقة بأحكام المواريث حيث أفردها بعض أهل العلم فاكتفيت بالمسائل الفقهية في الأبواب الأخرى واجتهدتُ في إيضاحها وإيجازها بغير إطالةٍ تؤدي إلى الملالة ، ورتبتها على حروف المعجم ، فإلى المادة :



حرف الباء :



1 - مسألة ( البئر جحط ) :

صورة المسألة : أن يكون هناك بئرٌ فيه ماءٌ قليل ، ثم يأتي شخص وينغمس في هذا الماء القليل ولكن ليس بنية رفع الحدث ، وإنما بأي نية أخرى – كالتبرد مثلاً – فهل يجوز الوضوء بهذا الماء ؟
عند الشافعية والحنابلة مثلاً يجوز ، ولكن في المذهب الحنفي اختُلِف على ثلاثة أقوال يرمزون لها بـ (جحط) :
1 – فيرمزون بالـ (ج) إلى قول أبي حنيفة وهو أن الرجل نجس – أي لم يتطهر من الحدث - ، والماء المستعمل كذلك نجس .
2 – ويرمزون بالـ (ح) إلى قول أبي يوسف القاضي أن الرجل على حاله قبل الانغماس من حيث الطهارة وعدمها ، وكذلك الماء على حاله .
3 - ويرمزون بالـ (ط) إلى قول محمد بن الحسن الشيباني أن الرجل طاهر لعدم اشتراط الصب، وكذا الماء طاهر  .[1]





.
.
.


2 – مسألة (برذون ابن القاسم) :

وهي مسألة تُذكر في بيع السَّلَم (وهو تعجيل الثمن وتأجيل استلام السلعة) وصورة المسألة إجمالاً هي أن الـمُسلِم (أي : المشتري) بعد دفعه الثمن وقبل حلول أجل السلم يقوم باسترداد الثمن بالإضافة إلى جزءٍ من المسلَم فيه (أي : السلعة التي اشتراها) ، وذكر المازري في "شرح التلقين" (2/ 360) أنه (( جرى على الألسنة تسمية هذه المسألة ببرذون ابن القاسم )) ، والسبب في ذلك أن ابن القاسم – تلميذ الإمام مالك – سئل عن هذه المسألة وكان المثال المذكور فيها هو "البرذون" حيث كانت صورة العقد – كما في "المدوَّنة" (3/ 166)  – تتم وفق الخطوات التالية :
1 - أنّ رجلاً باع برذونًا بيعاً مؤجلاً ، مقابل الحصول على عشرة ثياب .
2 - ثمّ قبل حلول الأجل طلب صاحب البرذون من الطرف الآخر إنهاء عقد السلم مقابل أن يحصل على فَرَس غير فرسه التي باعها آخر ومع الفرس خمسة ثياب .
ثم ذكر ابن القاسم عن الإمام مالك عدم جواز هذا النوع من التعاملات ؛ فهذه هي صورة المسألة – التي لسنا بصدد مناقشتها من الناحية الفقهية وإنما عرض معناها بإيجاز ، والله أعلم .
 يطلق لفظ "البرذون"  على غير العربي من الخيل و البغال من الفصيلة الخيلية


.
.
.


3 – مسألة (البردعية) :

وهي مسألةٌ تدور حول تكرار الحلف بالطلاق في مجلس واحد ، وتلقب بـ"البردعية"[2] ؛ لأن أبا سعيد البردعي بعدما تفقَّهَ ودرس المذهب الحنفي سُئِلَ عنها فلم يهتدِ إلى جوابها ، فارتحل إلى بغداد وتعلم سبع سنين حتى صار من كبار فقهاء المذهب الحنفي وصورة المسألة بشكل مختصر هي فيما لو كرر الرجل لامرأةٍ عقد عليها ولم يدخل بها - أو لامرأتين إحداهما لم يدخل بها - قائلاً : (( إن حلفتُ بطلاقِكِ فأنت طالق )) ، ثم علَّق الطلاق على أمرٍ معيَّن فقال مثلاً : (( إذا تزوجتكِ فأنتِ طالق )) فإنه وفق مذهب الحنفية يقع الطلاق لأن تعليق الطلاق في مذهبهم يُسمَّى في العرف حَلِفاً فيتعلق الحكم به .


 البردعي نسبةً إلى "بردع" هي منطقة تقع حالياً في أذربيجان


.
.
.



4 – مسألة (البضاعة) :

مسألة البضاعة هي مسألة تُذكر في (أحكام البيع) وضمن الأحكام المترتبة على (الغصب) ويُنصُّ عليها بهذه التسمية في كتب الشافعية[4] ، وهي أنه إذا تعدى رجلٌ على مال غيره فإن المال لن يخلو من حالة مما يلي :
-       إما أن يهلك المال و يخسر في تجارته ؛ فإنَّه يضمن لصاحب المال ماله .
-       وإما إن يتاجر به ويربح فيه .
فهنا لو تاجَرَ بالمال ، فاشترى بضاعةً وتاجَرَ فيها وربح ، فهنا هل يُضمَن فقط المبلغُ الذي تعدَّى فيه  ؟ أم يضمن المبلغ وأرباح المبلغ ؟ اختلف في ذلك على قولين ، قال ابن الرفعة الشافعي في "كفاية النبيه" (10/ 471) : (( فهذه المسألة تعرف بمسألة البضاعة )) . اهـ




.
.
.



5 – مسألة (بيعة أهل المدينة) :

هذه المسألة معروفة في المذهب المالكي ، ومعناها هو : شراء مقدار محدد وبشكل دوري من بائعٍ دائم العمل كالخباز والجزَّار والبقَّال واللَّبَّان ، فأشتري منه كل يومٍ مثلاً مقداراً محدداً من اللبن أو اللحم أو الخبز، ويُؤَجَّل فيها الثمن ، فهذه المسألة تُسمَّى (بيعة أهل المدينة) ؛ لاشتهارها بينهم ، قال ابن رشد في "البيان والتحصيل" (7/ 208) : (( اشتهر ذلك في فعلهم حتى صار يسمى بيعة أهل المدينة؛ ذكر ذلك مالك عن عبد الرحمن بن المجمر عن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أنه قال : كنا نبتاع اللحم كذا وكذا رطلا بدينار، نأخذ كل يوم كذا وكذا رطلا والثمن إلى العطاء )) .[3] اهـ



.
.
.
 





الحواشي :

[1] انظر : تبيين الحقائق للزيلعي (1/ 25) ، البناية للعيني (1/ 406) ، الموسوعة الفقهية الكويتية (1/ 82) .
[2] البحر الرائق لابن نجيم (3/ 321)
[3] فائدة : ويتخرَّج على القول بجواز هذه المعاملة جواز عقود التوريد ، كعقود الإعاشة والتغذية للمدارس وشركات الطيران والمستشفيات ونحوها، حيث يتم التسليم فيها على دفعات قد تكون يومية، أو شهرية على مدى عام أو أكثر أو أقل، ويتم دفع الثمن في نهاية العقد، أو أثناء التنفيذ على أقساط . وانظر : فقه المعاملات الحديثة للدكتور عبد الوهاب أبو سليمان (ص 100) ، المعاملات المالية أصالة ومعاصرة للدبيان (8/ 515) .
[4] انظر : الأم للشافعي (4/ 10) ، روضة الطالبين للنووي (5/ 133)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق