مواقف
للشيخ الخضير مع شيخه العلامة ابن باز
بقلم : محمد أحمد العباد
.
.
.
باسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ، وبعد :
فإن
الشيخ عبد الكريم الخضير هو أحد المشايخ الذين حُبِّب إليَّ وإلى الكثيرين الحرص على تتبع فوائده وفرائده ، وكان من
الجوانب التي أحببت أن أُبرزها من خلال هذه المقالة جانب العلاقة بينه وبين شيخه
الإمام ابن باز رحمه الله ، فنقلتُ للقارئ الكريم ما وقفتُ عليه من مواقف ذكرها
الشيخ الخضير بشكلٍ عارضٍ أثناء دروسه النافعة ، مواقف جمعتها بحسبي وبقدر
استطاعتي ، لا بحسبه هو ، ولا بقدر ما كان بينه وبين وشيخه من مواقف وفوائد ،
والله المستعان ، فإلى المادة :
- أما عن ملازمة الشيخ
فـ((ـأول ما بدأ الشيخ ابن باز رحمه الله التدريس في الرياض بدأت ملازمتي له
ملازمةً تامة منذ سنة 1395 هـ إلى 1400 هـ ، ثم بعد ذلك انقطعنا عن الدروس بسبب هذه
الرسائل التي يسمونها علمية - والله المستعان - لكنَّ العلاقة لم تنقطع ، بل استفدنا
منه كثيراً إلى آخر حياته رحمة الله عليه )) . "شرح بلوغ المرام (شريط
13)"
-
ومن
اللطائف أنه كان الشيخ ابن باز رحمه الله لا يحب البرد ، (( وجاء شخص من "أبها"
إلى الشيخ ابن باز وهو في الطائف فقال له : لو جئت يا شيخ إلى أبها لكانت أفضل من
الطائف، نسعر النيران في الظهر، ونلتحف البطاطين ، فقال الشيخ رحمه الله : إحنا
نتأذى من الشتاء ! نفرح إذا خرج الشتاء فكيف نذهب إليه ؟! والطائف جوه متوسط معتدل
)) "شرح الترمذي (شريط رقم 30)"
- وكان يحضر لدى الشيخ رحمه الله أهل العلم والفتوى من شتى البلدان العربية والإسلامية ؛ ففي إحدى المرات (( رأيت مفتي لبنان عند الشيخ ابن باز في مسألة متعلقة بما يسمى بـ(مؤخَّر الصداق) حيث كانت ( 1 ) ليرة لبنانية = ( 1.5 ) ريال سعودي وهذا شيء أدركناه قبل ما يزيد على 30 سنة ، لكن الآن اختلف الوضع كثيراً فالـ(2500) ليرة لبنانية تقارب (5) أو (6) ريال سعودي تقريباً ! فكان مفتي لبنان يرى أن الليرة تُعادَل بما تساويه قبل ، وكان جواب الشيخ -رحمه الله- أن الليرة هي الليرة سواءً أزادت أم نقصت قيمتها )) . "شرح الموطأ (شريط : 99 ، 108)"
- وكان يحضر لدى الشيخ رحمه الله أهل العلم والفتوى من شتى البلدان العربية والإسلامية ؛ ففي إحدى المرات (( رأيت مفتي لبنان عند الشيخ ابن باز في مسألة متعلقة بما يسمى بـ(مؤخَّر الصداق) حيث كانت ( 1 ) ليرة لبنانية = ( 1.5 ) ريال سعودي وهذا شيء أدركناه قبل ما يزيد على 30 سنة ، لكن الآن اختلف الوضع كثيراً فالـ(2500) ليرة لبنانية تقارب (5) أو (6) ريال سعودي تقريباً ! فكان مفتي لبنان يرى أن الليرة تُعادَل بما تساويه قبل ، وكان جواب الشيخ -رحمه الله- أن الليرة هي الليرة سواءً أزادت أم نقصت قيمتها )) . "شرح الموطأ (شريط : 99 ، 108)"
- وأيضاً كان للشيخ
رحمه الله إلمامٌ بعلم العروض وأوزان الشعر ؛ ويؤكد ذلك (( أننا لما درسنا الفرائض
على الشيخ سنة (1395 هـ ) ، فمر بيتٌ في منظومة "الرحبية" ، فكأن الشيخ
رأى أن البيت منكسر ، فقطعه وعدله ، مما يعني استفادة الشيخ رحمه الله من علم
"العروض" وهو علم محصور يمكن الإحاطة به في أسبوع مثلاً ، نعم هناك ما
هو أهم منه، لكنه أيضاً ينفع )) . اهـ "شرح مختصر الخرقي (شريط 19)"
-
ومن
المواقف معه (( أني سألت شيخنا الشيخ ابن باز قلت: نجد مسائل فيها دليل صحيح صريح
فيه أمر، ولم نجد له صارفاً، ولم يقل بمقتضاه إلا الظاهرية، فقال الشيخ : (( يرجح
قول الظاهرية ولو لم يوافقهم أحد ، إذا كان قولهم هو الموافق للدليل )) ، وبسطت له
المسألة وقلت له : (( لعل للأئمة أدلة ما اطلعنا عليها من تقصيرنا وقصورنا )) ، فقال:
(( ولو كان ، فما دام الدليل معهم فقولهم هو الراجح ، وهذا هو الأصل الذي لا ينبغي
أن يحاد عنه )) .
لكن يبقى
لمثل هؤلاء أن يقولوا مثل هذا الكلام، لكن طالب علم مبتدئ أو متوسط عليه أن يهاب
أهل العلم وأقوالهم ، ويتهم نفسه بالتقصير ؛ فالمسألة ليست اتهام للأئمة أنهم
رجحوا قولاً بغير دليل بقدر ما هو اتهام للنفس في التقصير في البحث، والله
المستعان )) . اهـ ( أشرطة "شرح مختصر الخرقي" (شريط 28 ) ، أشرطة
"شرح الموطأ" (الدرس 13، والدرس
64 )
والأخذ
من أفواههم لا الكُتُبِ ... أَدْفَعُ للتصحيف فاسمع وادأبِ
يعني أن
تتلقى العلم من أفواه الشيوخ ، والشيوخ تلقوه عن شيوخهم ، هذا يقيك شر التصحيف
والتحريف ؛ وأنا سمعت شخصاً يقرأ على الشيخ ابن باز – وهو أحد من الكبار ولا يحتاج
أن أسميه – يقول : ( سلمة بن كهبل ! ) فهل هذا أخذ من أفواه الشيوخ ؟! يعني هل هذا
يليق بطويلب فضلاً عن طالب له عناية بالحديث ؟ سلمة بن كهبل سبحان الله )) . اهـ
"شرح
ألفية العراقي ( الدرس 32)"
- ولكن أيضاً من المواقف التي ذكرها الشيخ الخضير والتي ترسخ أن المرء (( مهما بلغت منزلته فإنه
لا يحيط بكل شيء ، بل قد يخفى على العالم ما يوجد عند صغار طلاب العلم، وأن البشرية
من آدم إلى قيام الساعة لن يخرجوا عن قول الله -جل وعلا-: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ
إِلاَّ قَلِيلاً} وأنه لا بد أن يتعلم الإنسان قول : (( الله أعلم )) ، أو (( ما سمعت
)) ، أو نحوها ... الشيخ ابن باز -رحمه الله- في حلقة من الحلقات [ الإذاعية ] ،
سئل عن معن بن زائدة :
هل هو صحابي ؟ وإلا تابعي ؟ وإلا ويش هو ؟
فقال : (( ما أدري ، نبحثه إن شاء الله ))
بعد الحلقة قال المذيع : (( نمسح السؤال ؟ ))
هل هو صحابي ؟ وإلا تابعي ؟ وإلا ويش هو ؟
فقال : (( ما أدري ، نبحثه إن شاء الله ))
بعد الحلقة قال المذيع : (( نمسح السؤال ؟ ))
قال
: (( لا تمسحه .. خلّه ايش المانع ؟! )) .
"شرح الموطأ (شريط : 65)"
-
ومن الفوائد مسألة :
جواز سفر الخادمة مع أهل البيت للضرورة ؛ لأن تغيبها في البيت قد يفضي إلى فتنة ،
فيأخذونها من هذا الباب تخفيفاً للشر ، قال الشيخ الخضير حفظه الله : (( وهذه
المسألة أفتى بها الشيخ ابن باز - رحمه الله - سنة 11 هـ لما كانت أحداث الكويت ، والناس
تفرقوا وعندهم خادمات ، سئل وقالوا له : (( تبقى لمن ؟ )) يعني : الضرر لا بد أن
يزال ، وإذا وجد ضرر خفيف ، وضرر أشد منه لا بد أن يدفع أعلى الضررين ، ولو ارتكب
أخفهما ، فينظر في مثل هذا )) . اهـ "شرح كتاب الحج من صحيح مسلم" (الدرس
24)
- ويقول الشيخ الخضير أيضاً : ((
كما سألته مرة عن " أذكارِ النوم " وقولِ ابن القيم - وهو من أهل الاطلاع
الواسع - أنها تبلغ الأربعين ذكراً : فقد سألت الشيخ ابن باز قلت: تصل إلى
الأربعين؟ فاستغرب هذا العدد قال: لا هذا كثير جداً، ما تبلغ هذا العدد ولا نصفه )) .
"شرح الموطأ ( شريط 41) ، شرح عمدة
الأحكام (شريط 24)"
وأذكر
في ختام هذه المواقف موقفين حدثني بهما أخي الفاضل عبد الله خالد نصار العجمي عن
الشيخ عبد الكريم الخضير عن أخته وهي أم أحمد زوجة الشيخ ابن باز رحمه الله :
- أن
الشيخ في أواخر حياته لما أُدخل المستشفى كان يشعر بالضيق الشديد لتوقفه عن
التدريس ، فكان في بعض الأحيان يلقي المحاضرات والدروس على عددٍ من الأطباء أو
العاملين في المستشفى ، إلا أن ذلك لم يروِ غليله فأصرَّ على الخروج من المستشفى
ليستأنف الدروس التي كان يلقيها خارج المستشفى .
- وأما
الموقف الآخر فبعد مغادرة الشيخ المستشفى إلى بيته طلب من زوجته أن توقظه في
الساعة الثانية صباحاً ؛ لكي يقوم لصلاة الليل فضبطت المنبه على الساعة الثالثة لينال
الشيخ مزيداً من الراحة ، إلا أن الشيخ رحمه الله لما صارت الساعة الثانية استيقظ
لوحده وأوقظ زوجته مستفسراً عن الوقت فأخبرته بالوقت وبأنها أخرت المنبه ، فتضايق
الشيخ وقال لها : ( إن الراحة راحة الآخرة
) فتركته زوجته وما أراد وظلت هذه صلاة الشيخ حتى قُبض بعد ذلك بفترة وجيزة
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق