لا يصح
التصرف في المبيع قبل قبضه إذا كان مكيلاً أو موزونا أو معدودًا أو مذروعا باتفاق الأئمة،
وكذا إذا كان غير ذلك على الصحيح الراجح من قولي العلماء رحمهم الله لقول النبي صلى
الله عليه وسلم: "من ابتاع طعاما؛ فلا يبعه حتى يستوفيه"، متفق عليه، وفي
لفظ: "حتى يقبضه"، ولمسلم: "حتى يكتاله". قال ابن عباس رضي الله
عنهما "ولا أحسب غيره إلا مثله"؛ أي: غير الطعام، بل ورد ذلك صريحا؛ كما
روى الإمام أحمد: "إذا اشتريت شيئا؛ فلا تبعه حتى تقبضه"، وروى أبو داود:
"نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التاجر إلى رحالهم".
قال شيخ
الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله: "علة النهي عن البيع قبل القبض
عجز المشتري عن تسلمه؛ لأن البائع قد يسلمه وقد لا يسلمه، لا سيما إذا رأى المشتري
قد ربح؛ فإنه يسعى في رد البيع؛ وإما بجحد، أو احتيال على الفسخ، وتأكيد ذلك بالنهي
عن ربح ما لم يضمن" انتهى.
فيجب
على المسلمين أن يتقيدوا بذلك، فإذا اشتري المسلم سلعة؛ لم يقدم على التصرف فيها ببيع
أو غيره قبل أن يقبضها قبضا تاما، وهذا مما يتساهل فيه كثير من الناس أو يتجاهلونه،
فيشترون السلع ثم يبيعونها وهم لم يقبضوها من البائع أصلاً أو قبضوها ناقصا لا يعد
قبضا صحيحا؛ كأن يعد الأكياس أو الطرود أو الصناديق وهي في محل البائع، ثم يذهب ويبيعها
على آخر، وهذا لا يعد قبضا صحيحا، يترتب عليه جواز تصرف المشتري فيها.
فإن قلت:
ما هو القبض الصحيح الذي يسوغ للمشتري التصرف في السلعة؟
فالجواب : أن قبض السلع يختلف
باختلاف نوعيتها، وكل نوع له قبض يناسبه، فإذا كان المبيع مكيلاً؛ فقبضه بالكيل، وإن
كان موزونا؛ فقبضه بالوزن، وإن كان معدودًا؛ فقبضه بالعد، وإن كان مذروعا؛ فقبضه بالذرع،
مع حيازة هذه الأشياء إلى مكان المشتري .
وما كان كالثياب والحيوانات والسيارات؛ فقبضه
بنقله إلى مكان المشتري، وإن كان المبيع مما يتناول باليد كالجواهر والكتب ونحوها؛
فقبضه يحصل بتناول المشتري له بيده وحيازته .
وإن كان المبيع مما لا يمكن نقله من مكانه؛
كالبيوت والأراضي والثمر على رؤوس الشجر؛ فقبضه يحصل بالتخلية؛ بأن يمكن منه المشتري،
ويخلي بينه وبينه ليتصرف فيه تصرف المالك، وتسليم الدار ونحوها بأن يفتح له بابها أو
يسلمه مفتاحها.
س : ما الحكمة من النهي عن البيع قبل القبض ؟
ج : قد مر
من الأحاديث في النهي عن التصرف في المبيع قبل قبضه المعتبر شرعا؛ لما في ذك من المصلحة
للمشتري والبائع؛ من قطع النزاع،
والسلامة من الخصومات التي كثيرًا ما تنشب بين الناس بسبب تساهلهم في القبض وعدم تفقد
المشتري واستيفائها بالوفاء والتمام وانقطاع عهدة البائع بها، وهذا أمر ينبغي للمسلم
التقيد به وتطبيقه في معاملته.
وكثير
من الناس اليوم يتساهلون في قبض السلع، ويتصرفون فيها قبل القبض الشرعي، فيرتكبون ما
نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، فيقعون في الخصومات والمنازعات، أو يصابون بالندامة
عندما تنكشف لهم السلعة على حقيقتها وقد تورطوا فيها؛ فلا يستطيعون الخلاص منها إلا
بمرافعات ومدافعات، وهكذا كل من خالف أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا بد أن يندم
ويقع في الحرج .
.
.
.
ومما
حث عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ورغب فيه: إقالة أحد المتعاقدين للآخر بفسخ البيع
عندما يندم على العقد أو تزول حاجته بالسلعة أو يعسر بالثمن، قال النبي صلى الله عليه
وسلم: "من أقال مسلما؛ أقال الله عثرته يوم القيامة"، الإقالة معناها: رفع
العقد، ورجوع كل من المتعاقدين بما كان له من غير زيادة ولا نقص، وهي من حق المسلم
على أخيه المسلم عندما يحتاج إليها، وهي من حسن المعاملة ومن مقتضى الأخوة الإيمانية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق